ذكرى التأميم وتأميم الذكرى
مرت علينا قبل أيام في الأول من حزيران الذكرى الثامنة والثلاثون لتأميم النفط العراقي، ولا بد لنا من وقفة تأمل في هذه الذكرى، في الماضي وعندما كنا تلاميذ في المدارس أو حتى طلاباً في المراحل الإعدادية، كنا نتذكر يوم 1 حزيران من كل عام، ليس لشعورنا العميق بالوطنية الصادقة فقط، وانما لأنه عطلة رسمية إضافة لكونه مناسبة وطنية، ولكن عندما تقدمنا في الدراسة والنضوج أصبحت هذه الذكرى تأخذ مكانها في نفوسنا، من خلال تنامي الشعور بالوطنية، وبالمناسبة فان الشعور بالوطنية هو شعور فطري بالأساس ويبدأ بالتنامي خلال نمو ونضج العقل البشري، ويُكسب صاحبه إحساساً بالاعتزاز والافتخار بالانتماء إلى الوطن، وهذا الإحساس لا يمكن قطعا أن يمتلكه من تآمر مع الأجنبي لاحتلال العراق مهما كانت الأسباب أو تعاون فيما بعد معه وبجميع الأشكال.
الكل يعلم في العراق بعد قيام ثورة تموز 1968، وهي ثورة وطنية بامتياز، وبعد إنجاز التحرير السياسي بدأ قادتها بالتفكير مباشرة في تحرير مقدرات الشعب العراقي من الاحتكار الأجنبي، ومن أبرزها النفط، إلا أنها في البداية لم تمتلك كوادر وطنية كافية وقادرة على القيام بعمليات التنقيب والحفر والاستخراج والتكرير وغيرها من الأعمال الفنية مع علمهم بوجود الطاقات الكامنة في الشعب العراقي، فبدأت بالتفاوض مع الشركات الأجنبية، وفي 7 نيسان 1972 اكتملت أولى عمليات الاستثمار الوطني المباشر، بواسطة شركة النفط الوطنية، ومنذ تلك اللحظة بدأت الشركات الاحتكارية بفرض الحصار والعقوبات على القطاع النفطي العراقي، إلا أن ذلك لم يُثنِ قيادة الثورة، وفي حزيران 1972 تم إجراء تسوية قامت بموجبها الشركات الاحتكارية بالتنازل عن شركة نفط الموصل آنذاك، واستمر التفاوض إلى أن تم التوصل إلى اتفاقية تحصل بموجبها الشركات على مبالغ مالية معينة مقابل تنازلها عن الحقول النفطية العراقية، وفي الأول من حزيران 1973 تم إعلان تأميم النفط العراقي بشكل كامل ونهائي، إلا أن ذلك لم يكن يروق للشركات الاحتكارية العالمية التي خرجت مجبرة من العراق، والمملوكة أساسا للمتنفذين من القوى الرأسمالية، فبدأت عمليات التخطيط والتآمر لإعادة ما اعتبرته (الحق المسلوب) إلى هذه الشركات، والكل يعرف كيف أنها تمكنت من إثارة المسألة الكردية في شمال العراق، والتي تمكنت قيادة الثورة بحكمتها من إعلان بيان 11 آذار التأريخي وإعطائهم حكماً ذاتياً فريداً من نوعه في المنطقة والذي ضمن لهم كافة حقوقهم، ثم ما لبثت (هذه القوى الرأسمالية) أن أثارت مسألة الحدود العراقية الإيرانية، باستخدام حليفها الرئيسي في المنطقة، شاه إيران آنذاك، ومرة أخرى تمكنت قيادة الثورة من حل هذه المسالة باتفاقية الجزائر عام 1975.
واستمر التآمر على العراق وثورته، والكل يعرف ما الذي جرى في العراق عام 1979، ثم معركة القادسية الأولى في 1980، والتي استمرت ثماني سنوات، ومعركة أم المعارك في 1991 والتي رافقها الحصار الجائر على الشعب العراقي ومقدراته، وانتهى باحتلال العراق عام 2003 ثم تُوّجت عمليات التآمر على مقدرات الشعب العراقي بإقرار ما يسمى بقانون النفط والغاز، والذي أعاد للمحتكرين (امتيازاتهم السابقة)، فإن هذا القانون يعطي للشركات نسبة مذهلة على كل برميل تصل في عموم العقود إلى 75 بالمائة، ويبقى للشعب العراقي 25 بالمائة وليتها تصل إليه بل هي تتفرق على سراق البلد الذين قدموا وراء المحتل، إضافة إلى اقتطاع كلفة الإنتاج من حصة الشعب العراقي والتي تبلغ (خمس دولارات لكل برميل)، علما أن النفط العراقي هو أرخص نفط في العالم من حيث التنقيب والحفر والإنتاج، ولا يتجاوز حسب تقدير الخبراء نصف دولار لكل برميل، ويمكن لهذه الشركات أن تستخدم الأيدي العاملة العراقية، أي أن العراقي يعمل في ملكه أجيراً، والعمال البسطاء قد يدفعهم كسب قوت يومهم في زمن البطالة إلى ذلك، ولكننا نعتب على قسم من المهندسين وذوي الكفاءات الفنية، الذين يتسابقون للتعاقد والعمل بإمرة هذه الشركات الاستعمارية مصاصة الدماء، وكأنهم تناسوا وطنيتهم.
ليعلم الاحتلال وشركاته المتطفلة على مقدرات الشعب العراقي، ومن يمشي في ركابه من العملاء والخونة وعصاباتهم (البرلمانية)، التي أقرت لهم هذا القانون (ما يسمى بقانون النفط والغاز)، إن القانون الدولي ضمن للشعب العراقي كافة حقوقه، فالاحتلال باطل وما بني على الباطل فهو باطل، والأهم من ذلك أن المقاومة العراقية الباسلة وبكافة أشكالها، والتي تمكنت خلال سنوات الاحتلال من دحر أعتى قوة غاشمة على الأرض، قادرة على تحرير مقدرات الشعب من هذه الشركات الانتهازية المتطفلة، وفوق كل ذلك فإنه لا يمكن لأي قوة مهما كانت أن تقيد إرادة الشعب، فكيف إذا كان هذا الشعب هو شعب العراق شعب التاريخ والحضارة، إن هذه القيود سوف تنكسر قريبا وسيتم إلغاء جميع القرارات الجائرة بحق الشعب العراقي والتي اتخذها الاحتلال وعملاؤه ومنها ما يسمى بقانون النفط والغاز، وعندها سيتم تأميم ذكرى التأميم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كثيرا.
هذه المقالة منقولة من المجلة النقشبندية العدد53
لتحميل المجلة
[URL="http://www.archive.org/download/archivenkshiarmymgz-53/53.pdf"]اضغط هنا[/URL]